30 Nov
شرح الرسالة القيروانية 10

قال ابن أبي زيد: "الذي ابتدأ الإنسان بنعمته" بعد حمد الله، ذكر ابن أبي زيد جملة من صفات رب العالمين، 

ويحتمل كلامه: 

السببية: الحمد لله؛ لأنه متصف بهذه الصفات 

التمثيل: لأن الحمد هو الثناء 

نوع الصفات التي ذكرها: ذكر ابن أبي زيد الصفات الفعلية المتعلقة بالإنسان، وهي إنعامه على عباده، وهي على نوعين: صفات بيانية توفيقية: صفات خِلقية أو بدنية

ويمكن أن يقال في الأولى أخروية وفي الأخرى دنيوية، لكن الأول أعم، فهداية الله لعباده للأمرين، الدينية والدنيوية، فالشريعة تقوم على جلب مصالح الدارين، ودفع ما يضر بالإنسان فيهما 

قال عبد العزيز بن عبد السلام (ت: 660): فكل مأمور به ففيه مصلحة الدارين أو إحداهما، وكل منهي عنه ففيه مفسدة فيهما أو في إحداهما.اهـ[1] 

وقوله "ابتدأ"؛ لأن الله غني عن خلقه، فلم يخلق سبحانه خلقا من خلقه افتقارا إليه ولا أنعم عليهم بنعمة لحاجة، ولكنهم الفقراء إليه، لا ينفكون عن رحمته طرفة عين 

قال تعالى ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)﴾ [فاطر: 15 – 17] وقال ﴿هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)﴾ [محمد: 38] 

وحتى شكره على نعمه نعمة أخرى ابتدأها، فالشاكر من وفقه الله للشكر 

قال الشافعي محمد بن إدريس (ت: 204): والحمد لله الذي لا يؤدى شكر نعمة من نعمه إلا بنعمة منه توجب مؤدي ماض نعمه بأدائها نعمة حادثة يجب عليه شكره بها.اهـ[2]  

قال الحطاب أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعيني (ت: 954)ويحتمل أن يريد بالابتداء: الابتداء بالنعم من غير مقتض لذلك.اهـ[3] 

هذا المعنى هو الأقرب وقيل: أنعم عليهم قبل استحقاق النعم بالطاعات 

قال التتائي أبو عبد الله محمد بن إبراهيم (ت: 942): ويحتمل أنه ابتدأه بها قبل أن يستحقها بعمل طاعة بعد الإيجاد والاختراع، فالباء للإلصاق.اهـ[4] 

والطاعات وإن كانت سببا في النعم كما أن الذنوب سبب في عدم النعم ونزول النقم فإنها إنما تنال برحمة الله، فلا أحد يستحقّ نعمة من نعم الله عليه 

وقيل معنى ابتدأ:  إما أن يعود على الإنسان "ابتدأ خلق الإنسان"، وعلى هذا المعنى الأنسب أن يقول خلق الإنسان بقدرته 

وإما ان يعود على النعمة، وفيها احتمالان: 

الأول: "الباء" للمصاحبة، فنعم الله مصاحبة للإنسان مقترنة بوجوده 

الآخر: السببية، أي لينعم عليه 

قال محمد بن سلامة الأنصاري (ت: 746): والمبتدأ به إن كان الإنسان: فالمناسب أن يقول "بقدرته"  

وإن كان المبتدأ به النعمة – وهو الظاهر –: فيكون المعنى: أن أول شيء صحب الإنسان في زمن وجوده نعمة الله عليه خالقه، فتكون الباء للمصاحبة 

ويحتمل أن تكون للسبب، أي إنه تعالى ابتدأه بسبب أن ينعم عليه.اهـ[5] 

ظاهر قوله الأخير: أي أوجده لينعم عليه بالنعم الكثيرة لا الإيجاد هو النعمة، وهذا الأخير هو الذي فهمه من بعده 

قال زروق أحمد بن محمد بن عيسى (ت: 899): أي بسبب نعمته التي واجهه بها حتى أوجده ولولا إنعامه عليه بإيجاده ما وجد إذ لا حاجة له فيه وهو مفتقر إلى موجد 

وقيل: مصحوباً بنعمته إذ لولاها ما تم له وجود فالباء على هذا لمصاحبة وعلى الأول للسببية، وكل صحيح. 

قال ابن عطاء الله في "الحكم": نعمتان ما خرج موجود عنهما، ولا بدّ لكل مكون منهما: نعمة إيجاد ونعمة إمداد، أنعم عليك أو لا بالإيجاد وثانيا بتوالي الإمداد.اهـ[6]  

قال النفراوي أحمد بن غانم (ت: 1126): وقيل المراد بها الإنعام وهو أظهر، فتكون الباء سببية أي ابتدأه؛ بسبب إنعامه عليه الإيجاد من العدم.اهـ[7]  

قال ابن ناجي قاسم بن عيسى التنوخي القروي (ت: 837): وظاهر كلام الشيخ أن لله عزّ وجلّ على الكافر نعمة، وهو كذلك عند أكثر العلماء في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فواضح وأما في الآخرة؛ فلأن ما من نعمة وعذاب إلا وثم ما هو أشد منهما إلا أنه لا يقال إنهم في نعمة؛ لأنهم في محل الانتقام والغضب.اهـ[8]  


[1] قواعد الأحكام 1 / 11

[2] الرسالة 1 / 1 – الأم   

[3] حاشية الحطاب 1 / 21   

[4] تنوير المقالة في حلّ ألفاظ الرسالة 1 / 58   

[5] النكت المفيدة في شرح الخطبة والعقيدة ص: 48 تحرير المقالة في شرح الرسالة ص: 54   

[6] شرح زروق على الرسالة 1/ 13 – 14   

[7] الفواكه الدواني 1/ 11 – 12   

[8] شرح ابن ناجي على الرسالة 1/ 6 النكت المفيدة في شرح الخطبة والعقيدة ص: 49 – 50 تنوير المقالة في حل ألفاظ الرسالة 1 / 58 – 60 تحرير المقالة في شرح الرسالة ص: 54 – 55   

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة