الباب الثاني : شرح خطبة الرسالة
قال ابن أبي زيد :
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وسلم تسليما
الحمد لله الذي ابتدأ الإنسان بنعمته، وصوّره في الأرحام بحكمته، وأبرزه إلى رفقه، وما يسّر له من رزقه، وعلّمه ما لم يكن يعلم، وكان فضل الله عليه عظيما، ونبّهه بآثار صنعته، وأعذر إليه على ألسنة المرسلين الخيرة من خلقه، فهدى من وفّقه بفضله، وأضلّ من خذله بعدله، ويسّر المؤمنين لليُسرى، وشرح صدورهم للذكرى، فآمنوا بالله، بألسنتهم ناطقين، وبقلوبهم مخلصين، وبما أتتهم به رسله وكتبه عاملين، وتعلّموا ما علّمهم، ووقفوا عند ما حدّ لهم، واستغنوا بما أحلّ لهم عمّا حرّم عليهمأما بعد.[1]
ابتدأ – رحمه الله تعالى – الكتاب بـ : "البسملة" ثم "الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم" ثم "حمد الله تعالى" ولو أخّر "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" بعد "حمد الله" لكان أولى؛ لأنه يستحب أن يبدأ الكلام بذكر الله تعالى : البسملة أو الحمد، والمصنف جمع بينهما والله تعالى افتتح كتابه بالبسملة، وافتتح أول صورة – وهي الفاتحة – بالحمد على القول بأن البسملة ليست منهاوالنبي صلى الله عليه وسلم يبتدئ رسائله إلى الملوك بالبسملة
قال النووي أبو زكريا يحيى بن شرف ( ت : 676 ) – في ذكر فوائد حديث كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل – : ومنها استحباب تصدير الكتاب بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" وإن كان المبعوث إليه كافرا .اهـ[2]
وكان صلى الله عليه وسلم يفتتح خطبه بالحمد فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا أنكر أمرا خطب الناس، يبدأ الكلام بحمد الله والثناء عليه، والأحاديث في هذا كثيرة، ذكر بعضها البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل ( ت : 256 ) تحت باب : من قال في الخطبة بعد الثناء : أما بعد
من ذلك ما أخرجه البخاري ( 7301 ) عن عائشة رضي الله عنها قالت : صنع النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ترخص فيه، و تنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله و أثنى عليه ثم قال: ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه، فو الله إني أعلمهم بالله و أشدهم له خشية
قال ابن رجب أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي ( ت : 795 ) : فدلّت الأحاديث كلها على أن الخطب كلها سواء كانت للجمعة أو لغيرها، و سواء كانت على المنبر أو على الأرض، و سواء كانت من جلوس أو قيام، فإنها تبتدأ بحمد الله و الثناء عليه بما هو أهله .اهـ[3] وقال : فالحمد لله متقدم على جميع الكلام، و الكلام كله متأخر عنه، و تبع له .اهـ[4]
[2] شرح صحيح مسلم12 / 107 – 108