وبعد البسملة والصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم : حمد الله تعالى
الحمد : قيل معناه الشكر
قال الطبري : معنى "الحمد لله" : الشكر خالصا لله – جلّ ثناؤه – دون سائر ما يعبد من دونه، ودون كل ما برأ من خلقه بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد ولا يحيط بعددها غيره أحد، في تصحيح الآلات لطاعته، وتمكين جوارح أجسام المكلفين لأداء فرائضه، مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق وغذّاهم به من نعيم العيش من غير استحقاق منهم لذلك عليه، ومع ما نبههم عليه ودعاهم إليه من الأسباب المؤدية إلى دوام الخلود في دار المقام في النعيم المقيم. فلربنا الحمد على ذلك كله أولا وآخرا .اهـ[1]
قال التستري أبو محمد سهل بن عبد الله ( ت : 283 ) : معنى : الحمد لله : الشكر لله، فالشكر لله هو الطاعة لله، والطاعة لله هي الولاية من الله تعالى .اهـ[2]
واستدلّ الطبري بحديث وأثر عن ابن عباس :
الحديث : حدثني سعيد بن عمرو السكوني حدثنا بقية بن الوليد حدثني عيسى بن إبراهيم عن موسى بن أبي حبيب عن الحكم بن عمير وكانت له صحبة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا قلت الحمد لله رب العالمين، فقد شكرت الله فزادك
ضعيف واه
قال ابن أبي حاتم أبو محمد عبد الرحمن بن محمد ( ت : 327 ) : الحكم بن عمير : روى عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يذكر السماع ولا لقاء، أحاديث منكرة من رواية ابن أخيه موسى بن أبي حبيب – وهو شيخ ضعيف – ويروي عن موسى بن أبي حبيب عيسى بن إبراهيم : وهو ذاهب الحديث سمعت أبي يقول ذلك، ويقول روى هذه الأحاديث عن عيسى بن إبراهيم بقية ابن الوليد .اهـ[3]
أثر ابن عباس : حدثنا محمد بن العلاء حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا بشر بن عمارة حدثنا أبو روق [ عطية بن الحارث ] عن الضحاك عن ابن عباس، قال : قال جبريل لمحمد : قل يا محمد : الحمد لله قال ابن عباس : الحمد لله : هو الشكر، والاستخذاء[4] لله، والإقرار بنعمته وهدايته وابتدائه، وغير ذلك
أخرجه ابن ابي حاتم في التفسير ( 9 ، 7075) من طريق ابن العلاء بشر بن عمارة : ضعيف[5]
الضحاك عن ابن عباس : مرسل
قال ابن حجر العسقلاني أبو الفضل أحمد بن علي ( ت : 852 ) : وهو صدوق عن ابن عباس، ولم يسمع منه شيئا .اهـ[6]
قال ابن كثير أبو الفداء إسماعيل بن عمر ( ت : 774 ) – عن هذا السند وكلامه في حديث آخر – : وهذا الأثر غريب، وإنما ذكرناه ليعرف، فإن في إسناده ضعفا وانقطاعا .اهـ[7]
ويروى عن ابن عباس من طريق آخر :
ابن أبي حاتم في التفسير ( 8 ، 7076 ) : حدثنا أبي "ثنا" أبو معمر [ عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج ] المنقري "ثنا" عبد الوارث [ بن سعيد ] "ثنا" علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران قال : قال ابن عباس : الحمد لله كلمة الشكر، وإذا قال العبد : الحمد لله، قال : شكرني عبدي
يوسف بن مهران : وهو غير يوسف بن ماهك، لا يعرف، لم يرو عنه غير ابن جدعان
ويروى عن الزهري في تفسير قوله تعالى [ اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور ] [ سبأ : 13 ]
تفسير ابن وهب من الجامع (169) حدثني عبد الله بن سعيد بن أبي الصعبة [ اليافعي ] عن عبد الجليل بن حميد حدثه أنه سمع ابن شهاب [ الزهري ] يقول فيها : قولوا الحمد لله
اليافعي : لا يعرف، شيخ لابن وهب[9]
والصحيح : الحمد هو الثناء
والثناء وصف المحمود بالصفات الحسنة، وحمد لله وصفه بما وصف به من صفات الكمال والجلال على وجه الكمال
قال الطبري : قال وقد قيل إن قول القائل "الحمد لله" : ثناء على الله بأسمائه وصفاته الحسنى، وقوله "الشكر لله" ثناء عليه بنعمه وأياديه، وقد روي عن كعب الأحبار أنه قال : الحمد لله ثناء على الله. ولم يبين في الرواية عنه من أي معنيي الثناء اللذين ذكرنا ذلك : حدثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي أنبأنا ابن وهب حدثني عمر بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه أخبرني [ عبد الله بن ضمرة ] السلولي عن كعب [ الأحبار ] قال : من قال الحمد لله فذلك ثناء على الله [ أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير ( 10، 7076) من طريق موسى بن إسماعيل عن وهب عن سهيل ]
وحدثني علي بن الحسن الخزاز حدثنا مسلم بن عبد الرحمن الجرمي حدثنا محمد بن مصعب القرقساني عن مبارك بن فضالة عن الحسن عن الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ليس شيء أحب إليه الحمد من الله تعالى، ولذلك أثنى على نفسه فقال : الحمد لله .اهـ[10]
القرقساني : ضعيف[11]
المبارك : كثير التدليس[12]
الحسن البصري : لم يسمع عن الصحابة إلا من سمرة حديث العقيقة
واستدلّ الطبري بـصحة عبارة "الحمد لله شكرا"، فيدلّ على صحة إطلاق الحمد على الشكر، والشكر على الحمد الذي هو الثناء، فمن شكر الله فقد حمده، ومن حمد الله فقد شكره
قال : ولا تمانع بين أهل المعرفة بلغات العرب من الحكم لقول القائل "الحمد لله شكرا" بالصحة. فقد تبين إذ كان ذلك عند جميعهم صحيحا، أن الحمد لله قد ينطق به في موضع الشكر، وأن الشكر قد يوضع موضع الحمد، لأن ذلك لو لم يكن كذلك لما جاز أن يقال الحمد لله شكرا، فيخرج من قول القائل : الحمد لله مصدر أشكر، لأن الشكر لو لم يكن بمعنى الحمد، كان خطأ أن يصدر من الحمد غير معناه وغير لفظه .اهـ[13]
ويروى عن علي رضي الله عنه : الحمد لله كلمة رضيها الله لنفسه
قال أبو محمد ابن أبي حاتم : كذا رواه أبو معمر القطيعي عن حفص.
( 13 ) وحدثنا به الأشج [ أبو سعيد عبد الله بن سعيد ] فقال : "ثنا" حفص. وخالفه فيه، فقال فيه : قال عمر لعلي رضي الله عنهما – وأصحابه عنده – : لا إله إلا الله، والحمد لله، والله أكبر، قد عرفناها، فما سبحان الله ؟ فقال علي : كلمة أحبها لنفسه، ورضيها لنفسه، وأحب أن تقال
الحجاج : أحد الأعلام، على لين في حديثه 14]
ويروى عن الضحاك : الحمد رداء الرحمن
تفسير ابن أبي حاتم ( 11 ، 7077 ) حدثنا أبي "ثنا" محمد بن عبد الرحيم الفارسي "ثنا" بزيع أبو حازم عن يحيى بن عبد الرحمن - يعني أبا بسطام - عن الضحاك قال : الحمد رداء الرحمن
بزيع : ضعيف ليس له شيء مسند[15]
أبو بسطام : فيه ضعف[16]
[5] ميزان الاعتدال 1 / 321 – ترجمة : 1209
[6] العجاب في بيان الأسباب 1 / 211
[8] تهذيب الكمال 32 / 463 – 465 ترجمة : 7158
[10] تفسير الطبري 1 / 136 – 137
[11] ميزان الاعتدال 4 / 42 – ترجمة : 8180
[12] ميزان الاعتدال 3 / 431 – 432 – ترجمة : 7048
[14] ميزان الاعتدال 1 / 458 – 460 – ترجمة : 1726
[15] ميزان الاعتدال 1 / 307 – ترجمة : 1160
[16] ميزان الاعتدال 4 / 394 – ترجمة : 9075